ما الفرق بين ” عالم الألعاب ” و ” صفحات الجرائد ” ؟
اعرف بأن الموضوعين مختلفين تماماً، لا في المعنى، ولا في الكم، لكن هنالك رابط مهم احب ان اوضحه في البداية قبل ان اتحدث عن ذا لاست اوف اس.
في البداية، عالم الألعاب هو عالم خيالي، عالم يحكمنا بخياله التام، يجعلنا نصدق بأن خياله خيال منطقي، خيال متقبّل بشكل كبير بالنسبة لنا.
عالم يجعلنا نغوص في اعماقه، ونتصفح خفاياه، عالم مميّز بأشيائه الغير موجودة بحياتنا الواقعية، نتمتع فيه بالأمور المفقودة، فقدان الشيء يجعل لهذا العالم احساساً مختلفاً، ومتعةً فريدة، فعلاً.
لكن، مهما وصل هذا العالم ومهما حصل، فسيبقى ” خيالي “، سيبقى محدوداً بمصداقيته، سيكون محدوداً بعقلانية الإنسان، التي لن تصدق الشيء الخيالي، بشكل اكبر مما يستحق.
هنالك شيء خلقي متواجد عند الإنسان يجعله ينظر الى الأمور بتفخيم كبير، بتعظيم كبير، لكن في الحقيقة هنالك ” محدودية ” مخلوقة متواجدة عنده، تجعله يحدد الأمور حتى وان كانت ” الأعظم ” لديه، هنالك مقياس لكل شيء.
اما في صفحات الجرائد، فكل شيء ” عقلاني “، كل شيء يصدّق، حتى وان كانت الأمور مكذوبة او مبالغ فيها، لكن نسبة تصديق الإنسان لها وعقلانيته حولها كبيرة، اكبر من عالم الألعاب نفسه، حتى وان كان عالم الألعاب محبوب بشكل اكبر لدى هذا الشخص، لكن المحبة والعقلانية امران مختلفان تماماً.
ربما البعض يعشق خياله، يتمتع فيه، يسطّر جميع الأمور التي تحصل في خياله بإبداع تام، لكن، مهما وصل هذا الخيال من شيء، لن يساوي مايقرأه الشخص في واقعه، فصفحات الجرائد اكثر اهمية للشخص، اكثر واقعية، تجعله ربما يغيّر من حسناته الى سيئات، ومن سيئاته الى حسنات.
كل هذه الأمور تحصل بسبب واقع، بسبب اشياء تؤثر فينا بشكل مباشر وليس بشكل خيالي، صحيح ان الخيال جميل وفيه حسّ ” السحاب الفكري ” اللذيذ، لكنه لن يصل الى واقعنا، والذي يعتبر هو القدوة، وهو المسيطر على كل الأمور.
ذا لاست اوف اس، لعبة، بواقع اوراق الجرائد
لم اشعر في يوم من الأيام بـ ” اهانتي الإنسانية ” في عالم الألعاب، فدائماً عندما انظر الى العابي، انظر اليها بمحدودية، كما قلت سابقاً.
هنالك عقلانية مخلوقة فينا، تجعلني حتى وان قابلت شخصاً انساناً في لعبة، انظر اليه كـ ” انسانية لعبة “، ولا انظر اليه كإنسان ابداً.
في حديثه، وفي تصرفاته، يشعرني بالغرابة، ويشعرني بأنني لست مثل هذا الشخص ابداً، هذا الشخص كاذب، متصنّع، يحاول ان يكون انساناً صحيحاً، لكنه بالحقيقة، شخصية لعبة لا اكثر.
اعتدت على هذا الأمر، اصبح احساسي متبلداً تماماً، لم اعد اهتم بقامتي الأنسانية ولم اعد اهتم بإهتمام اللعبة بإنسانيتي، لا انتقد ولا اتحدث، اصبح الأمر اساسياً، انسان اللعبة شيء مختلف تماماً عني، انا، الإنسان الحقيقي.
لكن بالحقيقة، اذا نظرت لها بنظرة دقيقة وتمعنت كثيراً، سأجد ان شخصية الإنسان في أي لعبة عبارة عن ” اهانة ” لي شخصياً، الأمر اشبه بأن يتم تشبيهي مباشرةً بـ ” حيوان ” معيّن، لا يزعل، لا يشعر، انسان عبارة عن ” جماد ” متحرّك، يتقبّل الأمور في اللعبة على حسب الشيء الذي يريده المطوّر، من دون ارضاء لقامة الإنسان نفسه.
هذا الأمر لم يكن متواجداً بمعظم الألعاب حقيقةً، بل ان بعض الألعاب اشعرتني ببعض التفرّد الإنساني لشخصياتها، هنالك سلاسل مثل فاينل فانتسي، او كينجدوم هارتس، ميتل جير، ماس ايفكت، والعديد من السلاسل الأخرى أيضاً.
لكن، حصول الأمر بشكل نادر يجعل لهذا الشيء قيمة، قيمة كبيرة اذا جائت بـ ” شكل عظيم ” اصبحت غير منسية، هذا الذي حصل فعلاً مع ذا لاست اوف اس، والتي صوّرت انسانيتي بشكل فخم، يجعلني افتخر بإنسانيتي، بسبب لعبة.
لابد ان نعرف قبل ذلك ان حكمة الإنسان الحقيقية المختلفة عن البقية هي، ان الإنسان حالة غريبة من المخلوقات، الإنسان عنيد، متكبر بطبعه، يدرس جميع الأمور بحكمة، ويعتاد على الشيء قبل ان يتقبله بشكل كامل، مخلوق، تتضارب نفسيته مع افكاره، مخلوق، صعب المراس، والتعامل معاه اصعب بكثير من التعامل مع قطة، او وحش، حتى.
اعرف تماماً ان البعض سيقول ان ” الوحش ” مبالغة، لكن الوحش مخيف بطبعه، لا يتغيّر، مهما تعاملت معه بأي طريقة فسيبقى وحش، مخيف وقاتل، لن يتغيّر ويصبح ” مفكراً ” مثلاً في يوم من الأيام، يتلاعب بك عقلياً، لا مستحيل، الا اذا كان الوحش اصله ” انساني “، فهذا امر آخر.
وهنا نصل الى نتيجة، ان الوحش الإنساني اكثر اخافة من الوحش المتوحش، بلا مبالغة، لإن اجتماع الفكر والعقل والذكاء بالتوحش سيجعل من هذا الوحش متكاملاً، فريداً من نوعه، هذه هي قيمة الإنسان الحقيقية.
في ذا لاست اوف اس، انسانية الشخصيات كانت اكثر انسانية من الواقع نفسه، فعلاً، لم اشعر ابداً بأن انسانيتي انسانية، بل شعرت بشكل اكبر بأن انسانيتهم هي الإنسانية الحقيقية، التي من المفترض ان تكون، بهذه الظروف التي حصلت لهم.
اعرف تماماً بأنهم يعملون الأشياء الخاطئة في كثير من الأحيان، لكنني تقبلت هذا الأمر تماماً لإنني اعرف معنى ” التجربة “، التجربة شيء تجعل الإنسان متحوّل، ربما تحوّله يسبب ضرراً كبيراً، يجعله اشد ضرراً من الوحش.
اعرف تماماً ماهية الإنسان الذي امامي، الإنسان الذي امامي ” جرّب ” وعاش الكثير، كالشخص المسنّ الذي عاش المئات والمئات من التجارب، لا يمكنني ابداً ان اقارن نفسي بهذا الشخص، وهنا يحصل المثل، لا يمكنني ابداً ان اقارن نفسي بشخصيات ذا لاست اوف اس، والتي عاشت الويل.
شخصيات تعيش العذاب شكلاً قبل ان تعيشها نفساً، شخصيات تتعذب بحديثها، بتعابير وجهها، شخصيات تقاتل وتدافع عن نفسها، بتعنّدها وتكبرها الإنساني، شخصيات، قبل ان تصوّر لي قصة، تصوّر لي ” قامة انسان ” بمعناه الصحيح.
بلا مبالغة، هذه اللعبة جعلتني انظر الى انسانيتي بداخل العابي بشكل مختلف تماماً، جعلتني اؤمن بقانون جديد وهو، جميع الألعاب الأخرى ” ماعدا ذا لاست اوف اس ” اهانتني شخصياً، وجعلت انسانيتي مختلفة، ضعيفة، تافهه، وكأنها تقدم حيوانية، ولا تقدم انسانية، ابداً.
ذا لاست اوف اس اشعرتني فعلاً بأنها ” رجل حكيم ” يروي لي قصة، يحدثني عن تجربته المتعذبة والطويلة، اعرف تماماً بأن هذا الرجل مخطئ، وقد فعل اموراً مكروهه، لكنني اصدقه، واعلم انه ” انسان “، لإنه بظروفه، سأفعل مافعل تماماً.